الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم
مناقشة ممتعة:ما يقوله الزمخشري:ويقول الزمخشري: فإن قلت: يقال: جاء زيد هو فارس بغير واو فما بال قوله تعالى: {أو هم قائلون}؟ قلت: قدّر بعض النحويين الواو المحذوفة، ورده الزّجّاج وقال: لو قلت: جاءني زيد راجلا أو هو فارس، أو جاءني زيد هو فارس، لم يحتج فيه إلى واو، لأن الذكر قد عاد إلى الأول. والصحيح أنها إذا عطفت على حال قبلها حذفت الواو استثقالا لاجتماع حرفي عطف، لأن واو الحال هي واو العطف استعيرت للوصل، فقولك: جاز زيد راجلا، أو هو فارس، كلام فصيح وارد على حدّه. وأما: جاءني زيد هو فارس، فخبيث.ردّ أبي حيّان على الزمخشري والزجاج:وقد رد أبو حيان يقول: فأما بعض النحويين الذي اتهمه الزمخشري فهو الفراء، وأما قول الزمخشري في التمثيلين: لم يحتج فيه إلى الواو لأن الذكر قد عاد إلى الأول، ففيه إبهام، وتعيينه لم يجز دخولها في المثال الثاني، فانتفاء الاحتياج ليس على حدّ سواء، لأنه في الأول لامتناع الدخول، وفي الثاني لكثرة الدخول، ولا لامتناعه.وأما قول الزمخشري: والصحيح إلى آخره، فتعليله ليس بصحيح، لأن واو الحال ليست حرف عطف فيلزم من ذكرها اجتماع حرفي عطف، لأنها لو كانت للعطف للزم أن يكون ما قبل الواو حالا حتى يعطف حال على حال، فمجيئها فيما لا يمكن أن يكون حالا دليل على أنها ليست واو عطف ولا لحظ فيها معنى العطف. تقول: جاءني زيد والشمس طالعة، فجاء زيد ليس بحال، فتعطف عليه جملة حال، وإنما هذه الواو مغايرة لواو العطف بكل حال، وهي قسم من أقسام الواو، كما تأتي للقسم، وليست فيه للعطف إذا قلت: واللّه لتخرجنّ. أما قوله: فخبيث فليس بخبيث، وذلك أنه بناه على أن الجملة الاسمية إذا كان فيها ضمير ذي الحال فإن حذف الواو منها شاذ، وتبع في ذلك الفراء، وليس بشاذّ، بل هو كثير وقوعه في القرآن وفي كلام العرب، نثرها ونظمها، وهو أكثر من رمل يبرين وفلسطين.وقد ذكرنا كثرة مجيء ذلك في شرح التسهيل. وقد رجع الزمخشري عن هذا المذهب إلى مذهب الجماعة.تعقيب على كلام أبي حيان:أقول: لا يخلو ردّ أبي حيان من تهافت، فقد تعقب عليه بأن أصل الواو العطف، ثم استعيرت لربط الحال بعاملها، كما أن الفاء أصلها العطف، ثم استعيرت لربط الجزاء بالشرط.الفاء العاطفة:الفاء للترتيب. وهو إما معنوي كما في: قام زيد فعمرو وهو أن يكون ما بعدها حاصلا بعد ما قبلها في الواقع. أو ذكريّ وهو عطف مفصّل على مجمل، نحو: {فأزلهما الشيطان عنها فأخرجهما مما كانا فيه}. وهو أن يكون ما بعدها حاصلا بعد ما قبلها في اللفظ فقط، وأما في الواقع فتارة يكون حاصلا معه في آن واحد أو قبل ما قبلها. وقال الفراء: إنها لا تفيد الترتيب مطلقا.واحتج بقوله تعالى: {أهلكناها فجاءها بأسنا بياتا أو هم قائلون}.وأجيب بأن المعنى: أردنا إهلاكها. ولا شك أن إرادة الإهلاك قبل مجيء البأس، فيكون ترتيبا ذكريا إذ هو بيان لقوله: {أهلكناها} إذ هو مجمل. والحاصل أن الجمهور يقولون بإفادتها الترتيب مطلقا، والفراء يمنع ذلك مطلقا. وقال الجرمي: لا تفيد الترتيب في البقاع ولا في الأمصار، بدليل:
وقولهم: «مطرنا بنوء بمكان كذا» فمكان كذا إذا كان وقوع الأمطار فيهما واحدا.عودة الضمير:قد أعربوا المضاف إليه بإعراب المضاف، ولذلك عاد الضمير مؤنثا ومذكرا، والمراد: وكم من أهل قرية، ثم حذف المضاف الذي هو الأهل، وعاد الضمير على الأمرين، فأنّث في قوله: {فجاءها بأسنا} نظرا إلى التأنيث في اللفظ، وهو القرية. وذكّر في قوله: {أو هم قائلون} ملاحظة للمحذوف، فلما حذف المضاف أقيم المضاف إليه مقامه فباشره العامل فانتصب انتصاب المفعول به، وإن لم يكن إياه في الحقيقة كذلك أعطوه حكمه في غير الإعراب من التأنيث والتذكير، فمن ذلك قول حسان بن ثابت: والشاهد فيه تذكير الضمير الراجع إلى بردى، وهو مؤنث.والبريض موضع بأرض دمشق.
ضمن قتل معنى صرف، لإفادة أنه صرفه حكما بالقتل دون ما عداه من الأسباب، فأفاد معنى القتل والصرف جميعا.وسيأتي من آيات اللّه غرائب في التضمين، ولهذا نجتزئ بما قدمناه عنه الآن.2- إبدال الهمز من الواو والياء:1- أن تتطرّف إحداهما وهي لام أو زائدة للإلحاق بعد ألف زائدة، نحو: كساء وسماء ودعاء، فالهمزة فيهما مبدلة عن واو، والأصل كساو وسماو ودعاو، ونحو: بناء وظباء وفناء، فالهمزة فيهنّ مبدلة عن ياء، والأصل: بناي وظباي وفناي.2- أن تقع إحداهما عينا لاسم فاعل أعلت فيه، نحو: قائل وبائع، فقلبوا عينهما ألفا.3- أن تقع إحداهما بعد ألف مفاعل، وقد كانت مدة زائدة في الواحد، نحو: عجوز وعجائز، وصحيفة وصحائف، بخلاف نحو:قسورة وقساور، ومعيشة ومعايش، لأن المدة أصلية في الواحد فلا تبدل وشذّ: مصيبة ومصائب ومنارة ومنائر، بالإبدال، مع أن المدة في الواحد أصلية.4- أن تقع إحداهما ثاني حرفين لينين بينهما ألف مفاعل، سواء كان اللينان ياءين كنيائف جمع نيف، أو واوين كأوائل جمع أول، أو مختلفين كسيائد جمع سيد، إذ أصله سيود، اجتمعت فيه الواو والياء، وسبقت إحداهما فقلبت الواو ياء، وأدغمت الياء في الياء.وهذا المبحث طويل، وقد اختصرناه جهد الإمكان.آراء في قراءة الهمزة:إذا عرفت هذا فاعلم أنه قرأ الأعرج وزيد بن علي والأعمش وخارجة عن نافع وابن عامر في رواية: {معائش} بالهمز، وليس بالقياس كما تقدم، ولكن هؤلاء رووه وهم ثقات، فوجب قبوله.ولذلك نورد بعض آراء علماء اللغة:الزّجّاج:قال الزجاج: جميع نحاة البصرة تزعم أن همزها خطأ، ولا أعلم لها وجها إلا التشبيه بصحيفة وصحائف، ولا ينبغي التعويل على هذه القراءة.المازنيّ:وقال المازني: أصل أخذ هذه القراءة عن نافع، ولم يكن يدري ما العربية، وكلام العرب التصحيح في نحو هذا.الفرّاء:وقال الفراء: ربما همزت العرب هذا وشبهه، يتوهمون أنها فعلية فيشبهون مفعلة بفعيلة.أبو حيّان:أما أبو حيان فقد دافع عنها فقال: لسنا متعبدين بأقوال نحاة البصرة. ورد على المازني فقال: وأما قوله: إن نافعا لم يكن يدري ما العربية، فشهادة على النفي. إلى آخر تلك المناقشة المفيدة.
|